روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | في صفات الداعية.. الإخلاص (1)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > في صفات الداعية.. الإخلاص (1)


  في صفات الداعية.. الإخلاص (1)
     عدد مرات المشاهدة: 3543        عدد مرات الإرسال: 0

واعلم- أيها الداعيةُ النجيبُ- أنك محتاجٌ لمجموعةٍ من الصفاتِ الحميدة، التي كان سلفُنا متحليًا بها لتكون ممن بارك الله في دعوته وبلاغه.

أولًا: الإخلاص في القول والعمل: اعلم أخي أن نصوص الوحيين تكاثرت في ذكر هذا الأصل والدعوة إليه، لخطورته وتوقف العمل عليه، فمن ذلك قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت} [الأنعام: 162- 163] وقوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: 110] فأنت أيها الداعية حال تبليغك وإنذارك، ونصحك وإرشادك، تكون في قربة وعبادة، ومعلوم أن أحد شرطي العبادة خلوصها عن الشوائب، ونقاؤها من الأغراض والمآرب، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}.

وعليه فافقه- حبيب القلب- سرَّ رفعةِ الأخفياءِ ذوي الأعذار المذكورين في الحديث الشريف: «إن بالمدينة أقوامًا ما نزلتم واديًا ولا سلكتم شعبًا إلا كانوا معكم في الأجر حبسهم العذر».

فاستمسك- شقيق الروح- بمعاقد الإخلاص؛ بأن تكون شديد الخوف من صرف عبادتك لغير الله تعالى، عظيم الافتقار والالتجاء إليه، كثير التذلل بين يديه، وافتح قلبك لجهبذ العلماء ابن القيم وهو يحقرُّ نفسه في الله:

بُنَيُّ أبي بكر جهولٌ بنفسه *** جهـولٌ بأمرِ اللـه أنى له العلمُ

بُنَيُّ أبي بكر كما قال ربُّه *** هلوعٌ كنودٌ وصفهُ الجهلُ والظلمُ

بُنَيُّ أبي بكر لقد خاب سعيُه *** إذا لم يكن في الصالحات له سهمُ

بُنَيُّ أبي بكر غدا متمـنيا *** وصالَ المعالي، والذنـوبُ له همُّ

وعليه فاحرص أيها الداعية أن تكون نقيًّا تقيًّا، ورعًا خفيًّا، لا يراك الله إلا حيث أمرك، ولا يفتقدك إلا حيث زجرك، مبتعدًا عن الرؤية والظهور، والتشوُّفِ والغرور، حَذِرًا من التباهي بالطاعات، والتفاخر بالقُرُبات، فتُرد عليك في القيامة، وتُجزى بها السخطَ والملامة، وتنبه للفضيل بن عياض فإنه ينصحك أنك (إن قدرتَ على أن لا تُعرَفَ فافعل، وما عليك أن لا تُعرَف، وما عليك أن لا يُثنى عليك، وما عليك أن تكون مذمومًا عند الناس إذا كنت محمودًا عند الله تعالى).

وخذ بوصية حبر العلمِ ابنِ مسعود رضي الله عنه فقد جعلها لك ولإخوانك أن: (كونوا ينابيعَ العلم مصابيحَ الهدى، أحلاسَ البيوت، سرجَ الليل، جُددَ القلوب، خلقان الثياب، تُعرفون في أهل السماء، وتخفون في أهل الأرض).

إن الكثير من الدعاة ليجهرون بآيات الصدق والإخلاص في ميادين الدعوة، فما عليهم ألا يفعلوا ليكونوا يوم القيامة في ظل الله، وما عليهم ألا يكونوا مع الأخفياء من شهداء نهاوند الذين جهلهم الملهمُ أميرُ المؤمنين عمرُ فبكى وأنشأ يقول: وما عليهم! إن كان عمرُ لا يعلمهم فربُ عمرَ يعلمُهم.

نعم يا معاشر الدعاة.. إن ما شذ عن عُرفِ خلوصِ الدعوة مما نراه من مظاهر الرياء والغرور، وأنماط التصدر والظهور، لأماراتُ خذلانٍ خطيرة، وبوادرُ شرورٍ مستطيرة، تنذرُ بسخط ذي الجلال، وتوحي بعقوبة الذل والاستبدال، إذ الدينُ الخالص لا تقوم قائمته، ولا تظهر شعائره ومعالمه، إلا بمن خلصت لله نيته، وتمحضت للنبي صلى الله عليه وسلم تبعيته، وإلا فنائبةٌ قاصمة، ليس لها من دون الله عاصمة..

نعم- حبيبي في الله- إن فقه المرحلة يقتضي إحياءَ مذهبِ الأصفياءِ الأتقياء الأنقياء الأخفياء الذين لا يريدون من الخلق جزاءً ولا شكورا، بل يكون كلُ داعيةٍ منهم وقفًا لله تعالى..

فهم لله وبالله ومع الله..

عصمني الله وإياك من الرياءِ والزلل، وحبوطِ الصالحِ من العمل.. والحمد لله رب العالمين.

الكاتب: محمد العيساوي.

المصدر: موقع كتاب عبد الله بن مسعود.